في معنى الصيغة ودلالتها :

الصيغة مصدرٌ فعلهُ (صاغَ)، يُقال: صاغ الشيء يصوغُه صَوْغاً، وصغتُه أصوغُهُ صياغةً، وصغته: سبكتُه ويُقال صاغَ شِعراً كلاماً، أي وضعه ورتَّبه.قال الزَّبيدي: وصاغ الشيء يصوغه صوغاً : هَيْأَهُ على مثال مستقيم، وسبكه عليه ويقال: هو من صيغة كريمة أي من أصل كريم وهو مجاز نقله الزمخشريّ وابن عبّاد،"وهو صوغ أخيه مثله ويُقال صيغةُ الأمر كذا وكذا أي هيأتُه التي بُنيَ عليها"[3]. هذه الدلالة العجمية لكلمة (صيغة) تدلنا على قيود مهمة تم اعتبارها في تحديد المعنى الاصطلاحي للكلمة وتتمثل هذه الأمور فيما يأتي:   

ويكاد يُشعرنا استعمال ابن جني لمصطلح الصيغة بتلك المعاني السابقة فهو يقول عند عنوانه: بابٌ في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية: "إعلم إن كل واحدٍ من هذه الدلائل معتدٌ مراعىً مؤثرٌ إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب: فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم المعنوية، ولنذكر من ذلك ما يصح به الغرض فمنه جميع الأفعال ففي كل واحدٍ منها الادلة الثلاثة، ألا ترى إلى (قـامَ) ودلالة لفظه على مصدره ودلالة بنائه على زمانه ودلالة معناه على فاعله فهذه ثلاثة دلائل من لفظه وصيغته ومعناه وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قِبل أنها وإن لم تكتن لفظاً فإنها صورةٌ يحملها اللفظ، ويخرج عليها ويستقر على المثال المعتزم بها. فلما كانت كذلك لحقت بحكمه، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به، فدخلا بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة". ويذكر في موضع آخر: "وكذلك الضرب والقتل: نفس اللفظ يفيد الحدث فيهما ونفس الصيغة تفيد فيهما صلاحهما للأزمنة الثلاثة، على ما نقوله في المصادر، وكذلك اسم الفاعل نحو: قائمٌ وقاعد، لفظه يفيد الحدث الذي هو القيام والقعود وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل، وكذلك قطع وكسر، فنفس اللفظ ههنا يفيد معنى الحدث وصورته تفيد شيئين، أحدهما: الماضي والآخر تكثير الفعل كما ان ضارب يفيد بلفظه الحدث وبنائه الماضي وكون الفعل من اثنين وبمعناه على أن له فاعلاً". يلاحظُ في هذا النص أن ابن جني يعطفُ البناء على الصيغة عطف بيان ويبادل بينهما وبين الصورة في الدلالة على معنىً واحد وهو ما أسماه بالدلالة الصناعية للكلمة ويلفت أنظارنا في كلامه السابق تسمية الصيغ بالمثل وهذ يدلنا على إشارته بذلك لما تتسم به هذه الصيغ من القالبية ومن كونها مثالاً يُحتذى ويُسج على منواله وذلك لقالبيتها وصلاحيتها للقياس عليها والصوغ على حذوها وكذلك تسميته لدلالتها بالدلالة الصناعية ليُشيرَ بذلك إلى ما تمتاز به الصيغة من صناعة تظهر في عملية التشكيل والصياغة والاشتقاق وهذا يُصرح باشتراط كون الصيغة متصرفة ودالة على أصلٍ اشتقاقي صيغت منه ويدل على ذلك أيضاً معنى الصياغة في اللغة، إذ ان المصوغ لا بدَّ أن يكون له أصل قد صيغ منه، ومن ثم قالوا: هو صيغة كريمة أي من أصل كريم ومادامت هذه الصيغة مشتملة على الأصل الذي صيغت منه فهي صالحة لأن يُصاغ منها غيرها كذلك، وأن تتحولَ عن هيأتها إلى هيأةٍ أخرى تشترك معها فسي ذلك الأصل الاشتقاق ؛ ولذا يُشترط الدكتور تمّام حسان لعدِّ المبنى صيغةً أن ينتميَ إلى أصول اشتقاقية وان يتصرفَ إلى صيغٍ غير صيغتها

وأما اشتراط دلالتها على المعنى الوظيفي وهو واضح من تسمية ابن جني له بالمعنى الصناعي فهو لنفي العبث عن الواضع سواءٌ قلنا هو الخالق أو المخلوق، وينتهي نظره إلى أن واضع اللغة لم يضع وضعا من أوضاعها إلا لمعنى، وإذا عدنا إلى كلام ابن جني السابق نجده قد جعل للكلمة دلالات ثلاث: لفظية وصناعية ومعنوية وجعل الدلالة الصناعية – التي هي دلالة الصيغة – أقوى من الدلالة المعنوية، كدلالة (قام) على فاعله وذلك؛ لأنَّ الدلالة المعنوية أشبه ما تكون بدلالة اللزوم، أمّا الدلالة الصناعية فإنها الوظيفة التي تدل عليها الكلمة بهيأتها وهب اقوى من المعنوية من قبل أنها وإن لم تكن لفظاً فإنها صورة يحملها اللفظ ويخرج عليها ويستقر على المثال المعتزم بها، فلما كانت كذلك لحقت بحكمه، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به فدخلا بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم الاستدلال. وهذا يعني أن الصيغة عند ابن جني لها دلالة وظيفية تدل عليها هيأة الكلمة وصورتها كما تدلُّ بنيتها على معناها المعجمي أو دلالتها اللفظية على حد تعبيره، كما تجدر الإشارة إلى قوله في الصيغة بأنها: صورة يحملها اللفظ ليُعبّرَ بذلك عن دلالة الصيغة على الهيأة التي تكون الكلمة عليها. وبناءً على ما تقدّم يمكننا أن نخلص إلى أمور أربعة يمكن ان تحدد ماهية الصيغة وفرقها عن غيرها من المصطلحات وهي: 

 وقد جاءت تعريفات الباحثين المحدثين بناءً على هذا التأسيس لمصطلح الصيغة بعدّها قوالب تُصاغُ فيها الألفاظ وتُحدد بها المعاني الكلية، و المفاهيم العامة، أو هي "القالب التي تُصاغُ الكلمات على قياسه"